تماماً كما توقعت العديد من دوائر الأرصاد الجوية عن صيف مشتعل اللهيب سيخيم على العالم في هذا العام، شهدت الولايات الأمريكية وحدها حرائق هائلة امتدت لتأكل الأخضر واليابس، وبلغت مساحة الغابات المحترقة حوالي 10 مليون فدان في جميع الولايات، وتعتبر هذه الإحصائية ثاني أعلى إحصائية منذ عام 1960 من حيث مساحة الأراضي المحترقة، ويذكر أنه في عام 2000، لم تتخطى الحرائق في الولايات المتحدة حاجز الـ 7 ملايين فدان، وفي ذلك إشارة إلى تغير جذري في المناخ.
تُبدي العديد من دول العالم أهمية قصوى للحرائق التي تلتهم مساحات شاسعة من الغابات بوتيرة متسارعة، فلا يقتصر تأثير الحرائق على اقتصاد الدول فقط، بل يمتد تأثيرها؛ ليحدث تلوث في الهواء، ويؤثر سلباً على قطاع السياحة، وخسارة الممتلكات، والهياكل الأساسية للبلدة، وأضرار كبيرة في البنى التحتية، ووفقاً لدراسة اقتصادية، أشارات إلى أن الحرائق تنذر بتراجع اقتصاد البلاد بنسبة 0.04% في اليوم الواحد، ولكن كيف يؤثر موسم الحرائق على اقتصاديات البلاد المحلية والوطنية؟
تأثيرات دخان الحرائق على الصحة
لا تقتصر الآثار السلبية لموسم الحرائق على التهام مساحات شاسعة من الأراضي والمحاصيل الزراعية، بل يمتد تأثيره السلبي على القطاع الصحي، فمنذ عام 2019، سجلت الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 3700 حالة وفاة مدنية، إضافة إلى أكثر من 17.000 إصابة ما بين خطيرة ومتوسطة، وإصابات بالصدمة والهلع، ومعظم المصابين بحاجة لفترة طويلة للتعافي والعودة لروتين الحياة الطبيعي، بينما قد يكون البعض منهم غير قادر على ممارسة حياته الطبيعية، أو العودة لعمله بشكل دائم.
وكلما اشتدت النيران وامتدت، كلما تلوث الهواء بشكل أكبر وكان تأثيره على صحة الأفراد أكبر وأكبر، وبحسب الدراسات الطبية، تبين أن الحرائق الكبرى قد تؤثر بشكل سلبي على جودة الهواء على بعد آلاف الأميال، فمن لا يتضرر من الحرائق بشكل مباشر، قد يعاني من أزمة تنفس حادة، وأمراض خطيرة تصيب الجهاز التنفسي نتيجة لاستنشاق الهواء الملوث.
فقدان الممتلكات
تمتد الآثار السلبية للحرائق لتؤدي إلى خسارات كبيرة وأضرار بالغة في الممتلكات الأساسية، ففي موسم الحرائق، وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية، يحترق مبنى كل دقيقة وخمس ثوان، هذا وقُدرت خسائر الولايات المتحدة الأمريكية في العقارات والمباني والممتلكات منذ عام 2019 نتيجة الحرائق المندلعة في جميع الولايات بجموع 14.8 مليار دولار.
والجدير بالذكر هنا أن خسائر الممتلكات تؤثر بشكل سلبي على اقتصاد البلاد، فلا يقتصر الأمر فقد على فقدان الممتلكات والمنازل والمباني الفردية، بل يؤدي ذلك إلى نزوج الآلاف من الأسر والعوائل من منازلهم، الأمر الذي يُشكل عبئًا على شركات التأمين الكبرى، ويكلفها خسائر فادحة، فضلاً عن ارتفاع أعداد العمالة، وانخفاض الأجور المحلية، وتدهور في أسعار العملات المحلية.
تأثير الحرائق على القطاع السياحي
تؤثر الحرائق بشكل كبير على القطاع السياحي والترفيهي والأنشطة المتنوعة في الهواء الطلق، ففي عام 2019، سجلت الولايات المتحدة حوالي 460 مليار دولار من عائدات القطاع السياحي، أي ما نسبته 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
تؤثر حرائق الغابات على المناطق السياحية، فلا يقتصر تأثيرها فقط على تلوث الهواء، بل قد تؤدي إلى تدهور القطاع السياحي لفترات طويلة قد تمتد لعدة سنوات.
ويميل السياح لتجنب الحدائق الوطنية والحدائق العامة عندما تشتعل ألسنة لهب الحرائق في الغابات، الأمر الذي قد يؤثر على القطاعات الصناعية الأخرى، كالمطاعم، والفنادق، وغيرها.
حرائق العالم: تعددت الأماكن والحادث واحد
وفقاً للتقرير الذي نشرته دائرة لجنة المناخ في الأمم المتحدة، تبين أن هناك ارتفاع كبير في نسبة غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، والتي قد تؤدي إلى حدوث اضطرابات في المناخ، ليس فقط لعشر سنوات قادمة، بل لمئات السنين.
شهدت دول حوض البحر المتوسط، بدءً من تركيا وصولاً لتونس، ومروراً باليونان ارتفاع كبير في درجات الحرارة، لم تشهده تلك الدول منذ عشرات السنين، فخلال اليومين الماضيين، اقتربت درجة الحرارة في العاصمة التونسية من حاجر الـ 50 درجة مئوية، بحسب ما نشره معهد الأرصاد التونسي.
أما في اليونان، فمنذ حوالي 30 عامًا، لم تشهد اليونان ارتفاع في درجات الحرار بهذه الدرجات القياسية، حيث تخطت درجة الحرارة قبل يومين في اليونان حاجز الـ 47 درجة مئوية، وفي الجزيرة الإيطالية “صقلية”، سجلت درجة الحرارة رقمًا قياسيًا جديدًا، حيث تجاوزت درجة الحرارة حاجز الـ 48.7 درجة مئوية، ويُعتبر هذا أعلى رقم قياسي في درجات الحرارة بعد الرقم الذي سجل في جزيرة “أثينا” في عام 1977.
حرائق الغابات تنذر بكارثة
في اليونان، استمر اشتعال النيران لأكثر من 10 أيام، وحاولت فرق الإطفاء جاهدة السيطرة على الحرائق الملتهبة التي امتدت في جميع أنحاء البلاد، كما وأخلت فرق الإطفاء أكثر من 20 قرية، ونزح الآلاف من السكان من بيوتهم للبحث عن مكان آمن، وعلى الرغم من تمكن فرق الإطفاء بعدما تدخلت كل من ألمانيا، والتشيك، وفرنسا، وبريطانيا للمساعدة في إخماد الحرائق المستعرة، إلا أن ألسنة اللهب الحارقة تأبى أن تُخمد في ثاني أكبر جزر اليونان “إيفيا”، لتخلف ورائها حالات كبيرة من الدمار.
وعلق رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” على الأجواء الحارة قائلاً، بأنه هذا الصيف حارق بكل ما تحمل الكلمة من معنى، كما وقدم اعتذاره عن فشل فرق الإطفاء في التعامل مع الحرائق المندلعة في البلاد والتي وصل عددها إلى أكثر من 500 حريق في شتى أنحاء البلاد.
الجزائر تعلن الحداد العام لـ 3 أيام
في بلد المليون شهيد “الجزائر”، سارعت الحكومة الجزائرية بنشر قوات الجيش لمساعدة فرق الإطفاء لإخماد الحرائق التي شهدتها الغابات في شمال البلاد والتي أدت إلى مقتل 70 شخص، مدني وعسكري، وإصابة المئات.
والحظ الأوفر من النيران المندلعة كان من نصيب منطقة القبائل “تيزي وزو”، حيث امتدت النيران لمسافات طويلة لتبتلع منازل السكان، مما أدى لنزوح الآلاف من بيوتهم، ووفقاً لوكالة الأنباء الجزائرية، أكدت على عدد الحرائق التي نشبت في البلاد تجاوز الـ 100 حريق في أكثر من 17 ولاية، وأكدت الوكالة على أن هناك أكثر من 50 حريق ما زالت فرق الإطفاء تعمل دون كل أو ملل لإخمادها، كما وأعلن الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” حالة حداد عام ولمدة ثلاثة أيام حداداً على أرواح القتلى، إضافة إلى تجميد عمل أنشطة الدولة التي لا علاقة لها بالحرائق.
حرائق في جنوب تركيا وفيضانات في الشمال
خلال الأيام القليلة الماضية، شهدت تركيا حرائق ملتهبة ابتلعت أكثر من 70 فداناً من الغابات في جنوبي البلاد، وبحسب الوكالات الصحفية التركية، أكدت على أن عدد الحرائق المندلعة في الغابات قد وصل إلى أكثر من 300 حريق.
وشهدت السواحل الشمالية التركية موجة شديدة من الفيضانات بعد هطول أمطار غزيرة، أدت لتدمير جسر حديدي، وانقطاع التيار الكهربائي عن عدد كبير من القرى.