الوضع الصعب تعيشه الصين خاصة على صعيد الأزمة الاقتصادية يجعلنا نبحث عن مصيرها الاقتصادي، وتداعيات تلك المشكلات الاقتصادية التي تعيشها في الوقت الحالي، إضافة للتفكير في الجهة المستفيدة من تلك الأزمات والجهة المتضررة.
وفقًا لخبراء علوم الاقتصاد، تبين أن أداء الصين يشهد تراجعًا كبيرًا على صعيد الاقتصاد بدءً من مطلع عام 2008، ورغم ذلك ما زال اقتصادها يصنف على أنه الأكبر في العالم بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما قيادة الصين لمشروع اقتصادي جديد عالمي قد ينهي احتكار أمريكا على عملة الدولار الأمريكي
تأتي الريح بما لا تشتهي الصين، ففي الآونة الأخيرة، لم تكن الأخبار المتعلقة بالجانب الاقتصادي القادمة من الصين تتحدث عن معدلات النمو العالية، أو السلع الرخيصة، ولكن أصبحت الأخبار تتحدث عن أزمات كبيرة على صعيد الطاقة والتي بدورها أثرت على تخفيض استهلاك الكهرباء للمنازل والمصانع والمنشآت، الأمر الذي أدى إلى تقليص عدد ساعات وصل الكهرباء للمنازل، والصناعات المستهلكة للطاقة بشكل كبير، كمصانع الإسمنت، والأسمدة، ومصانع الصلب، وغيرها من المصانع والمنشآت الكبيرة، فضلًا عن أنه هناك صناعات تعتمد بشكل أساسي على آلات ومستلزمات إنتاج قادمة من الصين أصبحت الآن في وضع يرثى له يجعلها تبحث على كافة الجهات وتعيد حساباتها مرارًا وتكرارًا في مسائل عديدة، ومنها البحث عن مصادر مختلفة متاحة، وانتظام الإنتاج وارتفاع تكاليفه.
ومن جهة أخرى، ونتيجة للأزمة الاقتصادية الصينية، أصبحت أكبر شركة عقارات في العالم “إيفرغراند” الآن تعيش أزمة كبيرة، وقد تؤثر على النظام المالي العالمي، خاصة بعدما تراجعت قيمتها في الأسواق المالية العالمية في ظل الأخبار التي تحدثت عن وضعها المالي الصعب ومعاناتها من أزمة سيولة خانقة.
صادرات السلع الصينية
في نهاية عام 2020، بلغت نسبة صادرات السلع الصينية أكثر من 2 تريليون دولار أمريكي، أي ما يعادل أكثر من 14 % من إجمالي صادرات السلع في العالم والتي بلغت نسبتها أكثر من 17.5 تريليون دولار.
أما فيما يتعلق بالواردات السلعية، ففي نهاية عام 2020، بلغت نسبة الواردات السلعية الصينية أكثر من 2 تريليون دولار أمريكي، أي ما يعادل أكثر من 11% من إجمالي الواردات السلعية العالمية والتي بلغ معدلها حوالي 17 تريليون دولار أمريكي، وفقًا لإحصائيات البنك الدولي العالمي.
عدم الشفافية
قبل أن يخيم وباء كوفيد-19 على العالم، شهدت الصين أزمة ديون خانقة في كبرى شركاتها المحلية، إضافة لأزمات أخرى، كارتفاع معدل التلوث البيئي، وعلى الرغم من أن كافة التوقعات كانت تشير إلى وجود أزمة خانقة مكبوتة في قلب الاقتصاد الصيني قد تؤدي لتفجير الوضع المالي محليًا، إلا أن المعالجات الصينية، كانت تساعد في السيطرة على تلك الأزمات من خلال احتياطها النقدي الأجنبي والذي يزيد مقداره عن 3.4 تريليون دولار أمريكي، وبذلك تمكنت من السيطرة على مشكلات ديون كبرى شركاتها المحلية، وسيطرة حكومتها على الأجهزة المصرفية بالكامل.
ومع تفشي وباء كوفيد-19، غدت أزمة عدم الشفافية غير متعلقة فقط بالصين، بل أضحى كل العالم يبحث عن الطرق الفعالة للتغلب على الجائحة التي بدورها أدت إلى إغلاق كلي لكافة أشكال الاقتصاد في العالم استمر لأكثر من 8 أشهر، ومن ثم كشفت شركة “إيفرغراند”، أكبر شركة صينية في مجال العقارات عن أزمتها الاقتصادية والتي من شأنها أن تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي.
وقبل عدة أيام، وجهت الحكومة الصينية نداءً أخيرًا لمواطنيها ينص على ضرورة البدء بتخزين جميع أصناف المواد الغذائية الأساسية لمواجهة أزمة طارئة قد تفرض على البلاد قريبًا؛ الأمر الذي قد يجعل العالم كله يقف حائرًا أمام تنبؤات عديدة، منها احتمالية ظهور طفرة جديدة من فيروس كورونا، والعودة لحالة الإغلاق الاقتصادي مرة أخرى.
أزمة وفرصة
” وراء كل أزمة يوجد فرصة” مثل صيني شهير، وكثيرًا ما يتعامل الصينيين مع الأزمات بطريقة إيجابية، ولكن في حال إيماننا بنتائج هذا المثل الصيني، فذلك ينطبق على كافة المشاركين في نظام الاقتصاد العالمي، فتصنيف الصين كشريك اقتصادي قوي منذ عام 1990 وحتى عام 2010، كان وبكل تأكيد على حساب عدة دول قوية اقتصاديًا، وفي حال تراجع منحنى الصين، فبكل تأكيد سيؤثر ذلك على مصالح اقتصادات الدول الأخرى.
على الرغم من الأزمات التي تعيشها الصين، فهذا لا يعني انتهاء قوتها الاقتصادية، ولكن قد يؤدي ذلك لتراجع حصتها الاقتصادية عالميًا، والجدير بالذكر هنا، أن الواقع الحالي الذي تعيشه الصين، يفرض علينا التفكير بالفرص المتاحة للدول الاقتصادية الأخرى التي قد تتأثر بأزمات الصين الاقتصادية.
المتضرر من الأزمة الصينية
بكل تأكيد ستكون المتاجر والمنشآت الكبرى أكثر المتضررين من الأزمات الصينية الاقتصادية في جميع دول العالم، وذلك لاعتمادهم بشكل مباشر على التدفق للسلع بأسعار رخيصة من الصين، وبناءً على ذلك تم بناء سياسة تلك المتاجر، وفي معظم دول العالم، تجد العديد من المتاجر التجارية تبيع منتجات صينية وبأسعار منافسة.
كذلك الحال مع الصناعات التي اعتمدت بشكل مباشر على خط الإنتاج الصيني، ورفضت تنويع مصادر الإمداد، واقتصارها على خط تكنولوجي واحد، والجدير بالذكر أنه على الرغم من أن هناك بدائل عديدة في الدول الأوروبية أو الآسيوية، إلا أنها ستكون أكثر تكلفة، وقد يؤدي ذلك لضعف التنافس على الصعيد المحلي والدولي.
الأضرار لا تقتصر فقط على المتاجر الكبرى والمنتجات المستوردة من الصين، إنما قد يؤثر ذلك على الدول النامية، تكرارًا لسيناريو أوروبا في بداية تسعينات القرن العشرين، عندما نقلت صناعاتها لخارج حدودها الجغرافيا، واكتفت باستيراد المنتجات من الصين والدول النامية.
المستفيد من الأزمة
من الجلي أن الدول المستفيدة من الأزمات الصينية هي تلك الدول المنتجة للمواد الأولية، حيث ارتفعت أسعار تلك المواد في مطلع عام 2021، ومن المحتمل أن يستمر هذا الارتفاع لأكثر من 3 سنوات ولربما لـ 5 سنوات، الأمر الذي قد يعوض خسارة تلك الدول في السنوات القليلة المنصرمة.
أكبر دليل على ذلك نجد في ارتفاع أسعار الطاقة، فكافة مصادر الطاقة تشهد ارتفاع في أسعارها بالأسواق الدولية، كالنفط، والفحم، والغاز، وغيرها، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتعاش صناعة الوقود الصخري من غاز ونفط، ومما لا شك فيه، قد يؤدي ذلك للضغط على العاملين في مجالات الطاقات البديلة، وقد يركزون استثماراتهم وبحوثهم على إنتاج طاقات بديلة بأسعار تنافسية لتخفيف حدة ارتفاع أسعار الطاقات التقليدية، ووفقًا للتقديرات فقد يبلغ سعر برميل النفط حوالي 100 دولار أمريكي خلال الأشهر القليلة القادمة.
المصنعون المحليون قد يكونوا أكثر المستفيدين من الأزمات الصينية، وذلك لأن الفرصة ستكون متاحة أمامهم لاستعادة مكانتهم وإعادة تشغيل مصانعهم وتطوير أدائهم، وتوفير فرص عمل جديدة والحد من معدلات البطالة المرتفعة.