شهدت المنطقة العربية الكثير من الثورات والحروب والانقلابات والزعامات والتطورات في الخمس سنوات الأخيرة. ونشاهد الآن بعض البلاد العربية خربة وبعضها مُستعمر وبعضها مُنقلب على ذاته وبعضها لا يوجد بها جيش ولا شرطة وبالتالي لا يوجد أمن ولا أمان. ولكن حمى الله مصر التي تُعتبر الزعيمة والمؤثرة الأولى والكُبرى على مُجريات الأحداث في المنطقة العربية. ونرى أن مصر قد مرت بالكثير من الأحداث والتطورات ابتداءً من ثورة يناير 2011 إلى اللحظة الحالية.
انتشرت الأخبار التي تؤكد قرار لجنة التسعير البترولي خفض سعر اللتر للبنزين بحوالي 25 قرش منذ بداية الشهر الحالي. وقد تضاربت الأقاويل والآراء واختلف السياسيون والاقتصاديون حول مدى تأثير مثل هذا القرار في الوقت الراهن. بل وتعدى هذا التباين والاختلاف في الآراء ووصل إلى نبض الشارع المصري. وجدنا أن الكثير من المواطنين المصريين من جميع الفئات العمرية لديهم آراء متباينة ومُختلفة حول هذا القرار الفجائي.
سواء كُنت مُوافق على ما يحدث في مصر أو مُعترض على تلك الأحداث والمتغيرات السياسية والاقتصادية، سواء كُنت مُؤيد للقرارات الرئاسية الحالية وترى أنها تصب في مصلحة الشعب أو كُنت ترى أنها مُجرد مسكنات لخرس الشعب، فنحن نتعامل مع واقع حالي مُعقد يلزمه شيء من العرض وتحليل التفاصيل لتوقع ما هو قادم.
لذلك ستجد في هذا المقال، عرض لنبض الشارع وآراء المواطنين حتى نعكس لكم ما يدور في الشارع المصري. وليس هذا فقط بل سنعرض مُقتطفات عن آراء وتوقعات الخبراء لكي نرسم لكم الصورة كاملةً بحيادية وشفافية.
نبض الشارع المصري
جاء قرار لجنة التسعير البترولي بخفض أسعار المنتجات البترولية بحوالي 25 قرش للتر الواحد بحالة من التذبذب والتحير في الشارع المصري. حيث انتشرت الأخبار منذ ثلاث شهور حول دراسة اللجنة لمثل هذا القرار، وفي خلال الثلاث شهور صدر قرارين برفع سعر لتر البترول الواحد. مما أشعل الكثير من مشاعر الغضب والاحتقان في الشارع المصري. خاصةً أنه من المتعارف عليه وجود علاقة طردية بين زيادة سعر البترول وزيادة باقي المنتجات الأخرى. لأنه تتسارع الشركات الخاصة والعامة لزيادة أسعار منتجاتها لمجرد صدور قرار بزيادة سعر البترول حتى لو كانت هذه الزيادة زيادة طفيفة.
قامت قناة بي بي سي باستطلاع أراء الشعب على نحو واضح من خلال سؤال أحد السائقين الأجرة عن رأيه حول قرار خفض سعر البترول، وقد صرح بأن نسبة خفض سعر البترول لن تؤثر على أسعار المنتجات الأخرى. وقد وافقه الرأي بعض الشباب الأخرين مُضيفين بأن اللجنة أعلنت عن هذا القرار لتسكين الشعب المصري وتقليل حالة الغضب والاحتقان الناتجة عن المجريات والأحداث الأخيرة. على الرغم بأنه جاء رأي آخر من سائق يبلغ من العمر 63 عامً وقد أعلن بأنه يشعر بحالة من التلامس بين الشعب والحكومة والتي انعكست بشكل مُعين على خفض أسعار بعض المنتجات.
لذلك نجد أن الشارع المصري يشعر بتخبط وعدم إدراك كافي لتأثير هذا القرار الأخير السابق ذكره على أسعار باقي المنتجات. إلى جانب السؤال المثار حالياً في الشارع المصري “هل سيستمر نسبة التخفيض على سعر البترول أم ستصدر اللجنة قرار آخر برفع سعر البترول بعد شهرين؟”.
على الصعيد الآخر، صرح الكثير من الخبراء والمُحللين والاقتصاديين عن أراءهم وتحليلاتهم حول القرار الصادر مؤخراً. حيث أكد الخبير الاقتصادي علاء عبد الحليم أنه على الأرجح يرتبط قرار خفض سعر البترول ببعض الرسائل والتلميحات السياسية التي تطلقها الحكومة في وجه الأعداء، ولكن ليس هُناك مانع اقتصادي لتأثير هذا التخفيض على أسعار المنتجات الأخرى بشكل عام.
كما وصى علاء عبد الحليم الحكومة بضرورة وضع سياسة عامة للشركات لتخفيض أسعار منتجاتها امتثالاً لقرارات لجنة التسعير حتى تصب هذه القرارات في النهاية في مصلحة الشعب.
آلية التسعير المصرية
تحاول الحكومة المصرية أن تكون عند حسن ظن المواطنين وأن ترسى بالمصريين على بر الأمان. ولكن مع الأحداث التي هدتها مصر في خلال الخمس سنوات الأخيرة نجد أن هُناك الكثير من العوامل التي تتحكم في القرارات الرئاسية، لاسيما الاقتصادية. لذلك لم تستطع الحكومة المصرية رفع شريحة المواد البترولية إلا بعد الحصول على قرض الصندوق الدولي والذي بلغ حوالي 12 مليار دولار. وقد أثر الحصول على هذا القرض على قرارات الحكومة الاقتصادية مما ساعدها على اتخاذ قرارها برفع الشريحة الأخيرة بنسبة تتراوح بين 16 إلى 30%. قد يشعر الكثير من المواطنين بتخبط في القرارات أو عدم السير خطى نهج ثابت واضح، وقد يشعر الشارع المصري بأنه لا يتلامس مع القرارات والأحداث والتطورات التي تُصدرها وسائل الإعلام وتسلط عليها الضوء الحكومة واللجان المحلية.
ولكن كنتيجة لتجاوب الحكومة مع آراء ومخاوف الشعب، أعلنت أنها وضعت برنامج اقتصادي شامل لجميع الجوانب وسيكون قرض الصندوق الدولي هو الدعم المالي الأول لتنفيذ هذا البرنامج والذي كان خفض سعر اللتر الواحد من البترول هو الخطوة الأولى في تنفيذ البرنامج الاقتصادي.
ويتضمن هذا البرنامج الاقتصادي اتباع لجنة التسعير لآلية التسعير التلقائية للمنتجات البترولية كما هو مُتبع ومُطبق في جميع دول العالم. حيث ستقوم اللجنة بالانعقاد كُل ثلاث أشهر لمناقشة متسوط السعر العالمي للمواد البترولية والنظر في تكاليف التشغيل الإجمالية للعمليات ومستويات تغير سعر الجنيه المصري في مقارنة سعر الدولار وعلى أساس النتائج ستصدر اللجن قرارها بشأن رفع أو خفض أو ثبات سعر المواد البترولية. وقد أكدت اللجن باستمرار متابعتها للتطورات المحلية والعالمية وامتثالها لتطبيق شروط وقوانين آلية التسعير التلقائي مع مُراعاة المواطن المصري ووضعه الأولوية القصوى عند اتخاذ جميع القرارات.
قد لا يشعر المواطن المصري في الوقت الراهن بتأثير هذه القرارات، ولكن يؤكد الخبراء أن صدور مثل هذا النوع من القرارات يعكس مدى مرونة الحكومة واللجنة وحتمية رؤية نتائج واضحة منعكسة على المواطن المصري في القريب العاجل.