قد يسبب الحديث عن الفائدة السلبية وسياستها NIRP بعضًا من الحيرة عن البعض، وقد تكون هناك مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالفائدة السلبية بحاجة لإجابة واضحة، حيث أصبح من المعروف أنه في النظام المالي، تعمل العديد من البنوك على منح قروض مقابل نسبة محددة من الفوائد للأفراد والمؤسسات، ويتم تحديد نسبة الفائدة من قبل البنوك المركزية، ولكن، يبقى السؤال هنا، ماذا إذا كانت نسبة الفائدة سلبية؟ هل ستسمر البنوك في تقديم قروضها دون أي مقابل؟ أم أنها ستدفع للأفراد والشركات أموالًا مقابل الحصول على قروض؟ من الناحية البديهية، يبدو هذا الأمر مستحيلًا.
سنتطرق في مقالنا هذا للحديث بشكل مفصل عن الفائدة السلبية، وسياستها ومدى تأثيرها على الاقتصاد والسوق المالي.
ما المقصود بالفائدة السلبية؟
على عكس السياسية التي تمنح الأفراد والمؤسسات جزءً من الفوائد المالية على إيداع أموالهم في البنوك، يقصد بالفائدة السلبية تطبيق سياسة على ودائع الأفراد والمؤسسات والشركات في البنوك ودفع نسبة من الفوائد مقابل حفظ أموالهم في البنك، فمثلًا عندما يتبنى بنك ما في دولة ما سياسة سعر فائدة بنسبة -0.2، هذا يشير إلى أن مواطني هذه الدولة سيدفعون حوالي 20 بالمائة على الودائع التي تم حفظها في البنوك كفوائد تعود للبنك، أما في حال كانت السياسة 0.2+ فهذا يعني أن العملاء سيحصلون على نسبة فائدة في حال قاموا بإيداع أموالهم في البنوك.
متى تطبق الدول سياسة الفائدة السلبية؟
كثيرًا ما نسمع عن فترة الركود الاقتصادي، ولكن ما هي هذه الفترة؟ وكيف يمكن تحقيق أرباح في فترة الركود الاقتصادي؟ باختصار، تلجأ بعض الدول لتطبيق سياسة الفائدة السلبية في فترات الركود الاقتصادي، حيث أن العديد من الأفراد والشركات والمؤسسات المالية يسارعون لحفظ أموالها بدلًا من استثمارها وإنفاقها، والجدير بالذكر، أن البنوك تمتنع عن حفظ أموال الأفراد والشركات بداخلها، ولكي تشجع على زيادة عمليات الاستهلاك والإنفاق، تعمل على تقديم قروض مقابل الحصول على نسبة من الفائدة بدلًا من حفظ الأموال ودفع نسبة من الفائدة لعملاءها.
ومن خلال هذه السياسة، تضمن البنوك الحفاظ على مستويات عرض المال في الأسواق بدلًا من تخزيها، إضافة إلى فتح العديد من المشاريع الجديدة، وبهذا تضمن عملها على أكمل وجه دون تعريض نفسها لأي مخاطر مالية أو خسارة.
من قام بتطبيق هذه السياسة من الدول؟
عندما تطمح دولة ما لتعزيز نموها الاقتصادي، تكون سياسة الفائدة النسبية أحد المواضع التي يتم مناقشتها بعد أن تعجز عن تطبيق أدوات السياسة النقدية والتغلب على حالات الركود الاقتصادي.
في عام 2009-2010، طبقت الحكومة السويسرية سياسة الفائدة السلبية، وجاء ذلك عقب ارتفاع قيمة العملة الخاصة بها بشكل كبير، وذلك بعدما تهرب العديد من المستثمرين بعد زيادة معدلات التضخم.
كما وطبقت كل من الدنمارك، والاتحاد الأوروبي هذه السياسة لتعزيز النمو الاقتصادي وتأسيس مشاريع استثمارية تعود بالنفع على المجتمع، وقد أظهرت هذه السياسة العديد من النتائج الإيجابية على أرض الواقع.
هل تعتبر سياسة الفائدة السلبية مجدية؟
لم تغب هذه السياسة عن أنظار سوق الأوراق المالية في اليابان بعدما شهدت أسواق العقارات حالة من الركود الاقتصادي، وبعد أن حاولت الحكومات تعزيز اقتصادها واعتمادها على عدد من البرامج النقدية من ضمنها برنامج التيسير الكمي، عملت الحكومة على إقرار قانون السياسة السلبية على سعر الفائدة، وبعد مرور فترة من الزمن، لم تكون النتائج مرضية، بل أدى ذلك إلى وجود حالة من الفوضي سوق السندات المالية، كما ساهم ذلك في إغلاق بعض البنوك أبوابها وخروجها من السوق، وما زالت اليابان تعيش حالة من الركود الاقتصادي منذ 25 عامًا حتى الآن، ولم تحقق كافة السياسات النقدية التي طبقتها الحكومة أي نتائج واقعية وإيجابية فعالة على أرض الواقع حتى وقتنا هذا. وفي ذلك إشارة إلى مدى سوء فعالية هذه السياسة وقلة جدواها في بعض الأوقات.
ما مدى تأثير هذه السياسة على سوق المال والاقتصاد
تعتبر سياسة الفائدة السلبية أحد أهم الأدوات التي تلجأ إليها الدول للحد من التضخم وتعزيز الاقتصادي، ويراقب المتداولين في أسواق أزواج العملات الأجنبية (الفوركس) بشكل مستمر القرارات التي تتعلق بأسعار الفائدة؛ لكونها مؤشرًا اقتصادي هام، فهي تقدم فكرة عامة عن طبيعة الوضع الاقتصادي، ففي حال تم تطبيق هذه السياسة، فهذا يعني أن قيمة العملة ستشهد ارتفاعًا تدريجيًا، وعند خفض نسبة الفائدة، فهذا يعني أن الوضع الاقتصادي بدأ يتباطأ وقد تخيم حالة من الركود على البلاد، لهذا تنخفض قيمة العملة في بعض الأوقات.
والجدير ذكره، عندما تلجأ بعض الدول لتطبيق سياسة الفائدة السلبية، فهذه إشارة إلى حجم ضعف الاقتصاد وحالة الانهيار التي تعاني منها الدول فيما يتعلق بالسياسات النقدية، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة العملة وحالة من ضعف النمو الاقتصادي.
ولكن أكثر ما يتطلع إليه المتداولين هو سعر الفائدة الأمريكية؛ لكون أن العديد من التداولات في أسواق الفوركس مرتبطة بشكل كبير بسعر الدولار الأمريكي، فضلًا عن بعض السلع الهامة، كالنفط، والذهب وغيرها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقيمة الدولار، علمًا بأن هناك مجموعة كبيرة من المستثمرين يحبذون الإستثمار في الذهب خلال الأزمات الاقتصادية
بيان السياسة النقدية والإعلان عن سعر الفائدة
عندما تصدر دول ما قرارًا متعلق بالفائدة المالية، يصبح من المهم جدًا معرفة النتائج التي سيلخصها القرار، وغالبًا ما تكون هذه النتائج مرتبطة ببيان القرار والسياسة النقدية، فكثيرًا ما تكون هناك بعض العبارات التي تحمل دلالات متعلقة بحالة الاقتصادي والخطط المستقبلية المحتملة، وفي معظم الأحيان تكون هذه الخطط مؤشرات هامة لحالات تقلب السوق وسعر الصرف، لذلك نجد أن هناك العديد من الحالات التي حدثت بها ارتفاعًا لسعر الفائدة الأمريكية، أدت إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، والعكس صحيح، فهناك العديد من الحالات التي تم فيها تخفيض نسبة الفائدة، وبالتالي ارتفعت قيمة عملة الدولار الأمريكي.
في عمليات التداول خاصة في أسواق أزواج العملات الأجنبية، دائمًا ما يتطلع المتداولين المحترفين إلى الإشارات الاقتصادية، وكثيرًا ما يبدون اهتمامًا كبيرًا بقرارات الحكومة وخطابات الاقتصاديين وصناع السياسات المالية، حيث أصبح من الجلي أن هذه البيانات والخطابات تحمل العديد من الأخبار السارة وغير السارة للوضع الاقتصادي الراهن أو الوضع الاقتصادي المستقبلي، وبناءً عليه يبدأ المتداولين بوضع خططهم الاستراتيجية واتخاذ قرارتهم وفقًا لما يتضح لهم من الخطابات المالية وإعلانات سعر الفائدة وما تحمله من بشريات في طياتها.